رحلة صعود الألمانية في الأقاليم.. حين تصدّرت أبو كبير أولمبياد اللغة الألمانية في الشرقية
رحلة صعود الألمانية في الأقاليم.. حين تصدّرت أبو كبير أولمبياد اللغة الألمانية في الشرقية

رحلة صعود الألمانية في الأقاليم.. حين تصدّرت أبو كبير أولمبياد اللغة الألمانية في الشرقية
في زمن تشتد فيه المنافسة بين المدارس والمراكز التعليمية، وتتغير فيه خرائط التفوق من المدن الكبرى إلى الأقاليم، جاءت أولمبياد اللغة الألمانية لتكشف عن مفاجأة تعليمية من العيار الثقيل: مدارس مركز أبو كبير بمحافظة الشرقية تتصدر المشهد، وتنتزع المراكز الأولى بكل جدارة، متفوقة على مراكز أخرى كانت تُعدّ لعقود معاقل التفوق في اللغات الأجنبية.
هذه ليست مجرد صدفة، ولا انتصار لحظي، بل هي تتويج لرحلة صعود هادئة وثابتة، بدأها رواد مخلصون، وآمن بها طلاب شغوفون، حتى تحوّلت إلى حالة تعليمية خاصة تستحق التوثيق والفخر.
اللغة الألمانية.. من هامش الخيارات إلى صدارة الأولويات
في السنوات الماضية، كانت اللغة الألمانية في المدارس الثانوية خارج القاهرة والإسكندرية تُعامل على أنها “خيار ثانٍ” محدود الإقبال، أو تخصص نخبوي لا يحظى بالدعم الكافي. لكن مع التغيرات التي طرأت على سوق العمل، وازدياد فرص التعليم العالي في ألمانيا، بدأت الأمور تتغير بهدوء.
وفي قلب هذا التغيير، برز اسم أبو كبير، المركز الريفي البسيط الذي لم يتوقع كثيرون أن ينافس – فضلًا عن أن يكتسح – باقي مراكز محافظة الشرقية في مسابقات لغوية عالية المستوى.
أولمبياد اللغة الألمانية: أبو كبير ترفع الراية
خلال أولمبياد اللغة الألمانية التي نظّمتها مديرية التربية والتعليم بالشرقية، شارك عشرات الطلاب من مختلف الإدارات التعليمية: الزقازيق، فاقوس، كفر صقر، الحسينية، ههيا، منيا القمح، وغيرها. كانت المنافسة شرسة، والأسئلة عميقة، والمهارات المطلوبة تتجاوز الحفظ إلى الفهم والتحليل والابتكار.
لكن المفاجأة الكبرى تمثلت في مدارس أبو كبير التي حصد طلابها المراكز الأولى عن جدارة واستحقاق. سواء في فئة الترجمة، أو المحادثة، أو التعبير، أو الفهم السمعي والبصري، تفوق طلاب أبو كبير بشكل أدهش الحضور، وأجبر الجميع على الاعتراف: هنا وُلد جيل جديد من دارسي الألمانية، لا يعرف الهزيمة.
السر في المنهج.. لا المعجزة
لم يكن هذا التفوق مصادفة، بل نتيجة استراتيجية تعليمية ممنهجة بدأت منذ عدة سنوات بقيادة معلمين مخلصين وآمنوا بأن اللغة الألمانية ليست فقط “مادة”، بل أداة تغيير ومصير.
في مقدمتهم، الأستاذ محمد حامد – المعروف بـ”الهير محمد” – مؤسس قسم اللغة الألمانية في إدارة أبو كبير التعليمية. لم يكتف بتأسيس القسم، بل عمل على زرع حب اللغة وثقافتها في نفوس الطلاب، عبر أنشطة إبداعية، وطرق تدريس حديثة، وربط مباشر بين ما يتعلمه الطلاب وما قد يواجهونه في حياتهم المهنية أو الأكاديمية.
كما قامت المدارس بجهد كبير لتوفير البيئة المناسبة: معامل لغات، أنشطة مسرحية، مسابقات داخلية، ورحلات تعليمية. وحرص المعلمون على تحفيز الطلاب للمشاركة في الأولمبياد باعتبارها فرصة لإثبات الذات، ومواجهة التحدي، وكسر الصورة النمطية عن طلاب الأقاليم.
شهادات الطلاب.. لُغة تُغيّر المسار
تيقول الطالبة رضوى محمود ، الحاصل على المركز الأول في المحادثة:
“لما بدأت أدرس ألماني، كنت خايف ومش فاهم كلمة. بس مع الوقت، والمدرسين، حبيت اللغة، وبقيت بحلم أكمل دراستي في برلين أو ميونيخ.”
أما الطالبة اريج جمال، التي حصلت على المركز الثاني في الترجمة، فتقول:
“مكنتش أتخيل إن بنت من قرية في أبو كبير ممكن تتفوق على طلاب مدارس لغات، بس لما اشتغلنا بجد، أثبتنا إننا نقدر.”
ردود الأفعال.. حين تحدث أبو كبير ضجة إيجابية
فور إعلان النتائج، امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي في الشرقية بالتعليقات التي تشيد بأداء طلاب أبو كبير. المعلمون من الإدارات الأخرى تحدثوا بإعجاب، وبعضهم طلب لقاءات تبادلية لتبادل الخبرات.
مديرية التعليم كرّمت الطلاب الفائزين، وتم رفع توصيات لدعم قسم اللغة الألمانية وتوفير مزيد من الموارد والأنشطة، وأعلنت إدارات تعليمية أخرى نيتها إعادة النظر في مستوى تدريس اللغة الألمانية بها بعد أن غيّرت أبو كبير المعادلة.
منطقة تتحول إلى مركز إشعاع لغوي
إن ما حدث في أبو كبير لا يجب أن يُنظر إليه باعتباره “استثناء”، بل كنموذج يُمكن تطبيقه في كل الأقاليم المصرية. فاللغة الألمانية لم تعد رفاهية، ولا ترفًا علميًا، بل هي فرصة حقيقية لتمكين الشباب من مستقبل جامعي ومهني واعد، خاصة مع العلاقات المتنامية بين مصر وألمانيا، والتوسع في برامج التبادل الثقافي والمنح الدراسية.
وإذا كانت أبو كبير قد بدأت بثمانية طلاب فقط قبل سنوات، فإنها اليوم تحتضن المئات من دارسي الألمانية، وتنتج أبطالًا لغويين على مستوى الجمهورية.
خاتمة: المستقبل يبدأ من هنا
رحلة صعود اللغة الألمانية في أبو كبير هي قصة إلهام لكل مركز، وكل طالب، وكل معلم يؤمن بأن اللغة لا تُحدّها الجغرافيا، بل تُصنع بالإرادة والشغف.
أبو كبير اليوم لا تكتفي بتعليم الألمانية، بل تصنع قادة في اللغة، يمثلون الشرقية في المحافل التعليمية، ويثبتون أن أبناء الريف قادرون على التميز متى أُتيحت لهم الفرصة.
وها هي الفرصة قد أتت… والبداية كانت من هنا.