
الحب .. في دراما أسامة أنور عكاشة
دراسة عرضية عميقة
بقلم أيمن أبوزيد
مقدمة :-
لماذا جميع علاقات الحب في دراما العبقري أسامة أنور عكاشة .. كان مصيرها التأزم و الفشل وترك نهايتها مفتوحة .. واغلب مراحلها كانت ما بين الشد والجذب .. طوال وقتها تئن و تعاني ..
موضوع يستحق منا التأمل والتفكير والمناقشة .. لمؤلف ومفكر وباحث كبير بقيمة أسامة أنور عكاشة .
أبحر وصال وجال في الواقع والتاريخ والإنسان المصري ليكتشف بكل ما له وما عليه .. ترك لنا مكتبة درامية نعتز ونفتخر بها طوال العمر .. وأصبحت مرجع هام جدا للبحث في الذات المصرية .. لنا وللأجيال القادمة ..
وهناك نماذج قمت بالبحث فيها و سأشير إليها على سبيل المثال :-
١- الشهد والدموع (1985) ..
( أحمد و ناهد )
٢- الحب وأشياء أخرى (1986) ..
( سامح و هند وقصص أخرى )
٣- رحلة أبو العلا البشري (1986) ..
( مجدي و نجوى )
٤- الراية البيضا (1988) .. ( هشام و أمل )
٥- ليالي الحلمية (1987)..
( علي و زهرة وقصص أخرى )
٦- زيزينيا ( 1997) .. ( بشر و عايدة )
(1) أولا :-
من البداية لابد أن نوضح أربع نقاط هامة تشكل ركائز ومفاتيح أساسية عند تناول الأعمال الدرامية لأسامة أنور عكاشة تشكل رؤيته الخاصة لبعض المفاهيم الحياتية والدرامية :-
١ – الأولى :-
تخص رسم شخصياته الدرامية كلها .. الوان شخصياته كلها رمادية .. لايؤمن باللونين الأبيض والأسود في رسمها .. الشخصية الدرامية في دراما عكاشة معرضة للخطأ والضعف والتغيير وأحيانا التهور .. كل الأطروحات المفاجاة عنده واردة الحدوث .. وغير مستبعدة .. وهذه النظرة الإنسانية للمثقف الواسع الأفق الواعي للطبيعة البشرية بكل ما تحمل من تناقضات ..
٢ – الثانية :-
خاصة بموضوع نقاشنا ..
لديه تفرقة واضحة .. بين :-
ارتباط الزواج .. وارتباط الحب ..
لأنهما مختلفان تماما .. فكان يرى الآتي :-
أ – الزواج :-
علاقة قائمة على الشراكة لبناء أهم كيان اجتماعي مقدس وهو الأسرة .. ( مثل الأسطى فرج وزوجته سميحة / الدكتور سلام وزوجته شهيرة .. في الحب وأشياء أخرى ) كيان قائم على التوافق والالتزام والمسؤولية من كلا الطرفين وتبادل المصلحة وتوزيع الأدوار بينهما .. و يجب العمل على التضحية والتنازل وتقريب وجهات النظر لضمان استمراره و نجاح الشراكة بينهما فيما بعد وطوال سير العقد .
ومثل ما هي معرضة للنجاح .. هي معرضة للفشل أيضا مثل أي شركة .. وبداية ظهور خلافات ومشاكل بسبب الإخلال بالبنود الضمنية المتفق عليها .. بحكم التغير الزمني والشخصي بكل تفاصيلها النفسية بمرور الوقت ..
و كثير من علاقات الحب في مجتمعنا الشرقي تنتهي بالزواج الحتمي .. فهو الأمل المنشود لأي متحابين .. أو الفراق دون رجعة .. والزواج هنا يصبح دورة مختلفة عن علاقة الحب .. لأنها علاقة شركة بكل مواصفاتها و مسؤوليتها .
ب – الحب :-
أخذ أسامة أنور عكاشة على عاتقه البحث والدراسة لعلاقات الحب في مجتمعنا المصري ووضعها تحت المجهر .. جهد مضني كبير فرضت عليه المسؤولية كأحد الأعمدة الثقافية في الخمسين سنة الماضية .. بحث في التاريخ والعلاقات الإنسانية بكل نواحيها النفسية والاجتماعية .. باستعراض تجارب حياتية متنوعة داخل المجتمع المصري .. ليكشف لنا مراحل إخفاقها وعلتها و محاولات تحويله من حب مريض إلى حب صحيح .
٣ – الثالثة :-
أوضح لنا عكاشة أن هناك فرق مابين
الحب الصحيح و الحب المريض .. ( مثل احمد وناهد في الشهد والدموع / ومجدي ونجوى في أبو العلا البشري / وهشام وأمل في الراية البيضا )
أ – الحب الصحيح .. يرى عكاشة أنه يدفع للأمام .. فهو يسعد يحنن يطمئن يمتع .. لأنه عادل .. متوافق في الأمزجة .
ب – الحب المريض .. للأسف هو الشائع عندنا .. يؤخر للوراء .. لأنه معقد يألم ينكد يقسو لأنه ظالم .. ومثل منه عكاشة كثير من العلاقات مثل :-
( أحمد وناهد في الشهد والدموع / ومجدي ونجوى في أبو العلا البشري / هشام وأمل في الراية البيضا / بشر وعايدة في زيزينيا / وسليم ونازك السلحدار – وعلي وزهرة – وعلي و شرين – ناجي و قمر – وعادل وقمر .. في ليالي الحلمية بأجزائه الخمسة )
كان يرى عكاشة في بدايتها علاقة المغناطيس .. انجذاب نتيجة لقوة باطنة كالحمى التي لا يستطيع أحد أن يفسرها و يقاومها .. تبدأ بالإنجذاب في غفلة من الزمن دون استئذان ثم الاهتمام ثم التفاعل و محاولة الانصهار .. ليس لها شروط ولا كبير لمقاومتها أو منعها ..
وقد تبدأ بالتصادم والاختلاف لمفاجأة الاكتشاف .. وتنتهي بتلاقي جميع الدواخل الإنسانية ببعضها .. بكل ما فيها من توافق وانسجام و إحساس بالراحة والأمان ..
تبدأ رحلة الشقاء مع محاولة الانصهار والاندماج فيما بينهما للوصول إلى التوحد في كائن واحد .. لا يستطيعان التنازل عن الأنا نهائيا لكل منهما .. وبالأخص بما يخص التباينات المرتبطة بشرط الكم .. يصطدمان بها .. مثل الفروق العمرية و المادية والطبقية والمستوى التعليمي .. والاستعلاء على الحزازية التي قد تنتج بسبب تفوق طرف عن الطرف الآخر من حيث الكم نهائيا .. كما رأينا ( مثل سامح وهند / حسيني وإكرام / رأفت ودلال .. في الحب وأشياء أخرى )
– اسمع أحدا يسألني .. لماذا لم يصور عكاشة لنا علاقة حب صحيحة واضحة ليس بها أي اعراض المرض والخلاف ..؟
كان من الممكن و بسهولة ..! ولكن .. من أين ستأتي الحبكة الدرامية ؟! والإشكالية والصراع الداخلي والخارجي للشخصيات .
وقتها ستكون حكاية جميلة تحكى لنا قبل النوم ..! أي نعم قد تتخلل هذه الحالة .. داخل المشاهد الدرامية عند أسامة أنور عكاشة لتمثل لحظات الحب و الرضا والتوافق بينهما قبل حدوث الصدام بينهما .
٤- الرابعة :-
تفرقته الواضحة والاختلاف بين التكوين النفسي العاطفي عند الرجل و عند المرأة .. ومدى قدرتهما للجمع بين حبيبين في وقت واحد ..!
يرى عكاشة مثل ما هناك اختلاف بيولوچي لبنيان جسمهما .. هناك اختلاف سيكولوجي من ناحية القدرة على التعدد العاطفي (الحب) عندهما ..
– يؤكد على أن الرجل متعدد المشاعر .. له القدرة على حب أكثر من امرأة في وقت واحد او بشكل متتالي ( مثل .. علي وأبوه سليم البدري في ليالي الحلمية) .. والدافع غريزة التملك العاطفي عند المرأة .. وعزة كراماتها ترفض قبولها لهذا التفسير .. وأن حبيبها من الممكن أن يشاركها في حب امرأة أخرى غيرها .. وترفضه تماما من رغم وجوده بالفعل والتجربة ..
– أما المرأة أحادية المشاعر .. فهي لا تستطيع أن تجمع ما بين محبين أبدا في وقت واحد .. ليس لاعتبارات اجتماعية فقط ولكن لتكوينها النفسي والعاطفي .. هي بالفعل لا تستطيع أن توجه تركيز مشاعرها العاطفية وجهازها العصبي إلا لمحب واحد فقط في وقت واحد .
(2) ثانيا :-
كان يرى عكاشة أن هناك حقائق غائبة عن الطرفين .. تعتبر من عوائق الحب الشرقي .. يغفلها الحبيبين في غفوة ونشوة الحب .. لها التأثير المباشر للتأزم والإعاقة والمعاناة التي تصيبهما .. لتجعل الحب في حالة إعياء دائم :-
١ – المجتمع شريك أساسي معهما .. ومهم في نجاحها أو فشلها .. متسلط بثقافته وتقاليده وعاداته .. يرسم آليتها وحركتها والمناخ الذي ستنمو فيه هذه العلاقة .. أما قبولها والسماح لها أن تمر بسلام .. أما برفضها لما يحمله من ميراث فكري وديني واجتماعي ممتد للوراء .
٢- المجتمعات مختلفة .. و تختلف إدارتها لعلاقات الحب بها .. فالذي يمر بسلام في مجتمع .. يعاني بل يصل للمنع والاستحالة والتحريم في مجتمع آخر .
٣- إذا لم يفرد للعقل مساحة كاللجام الذي يجمح تهور وشرود الحب .. وتوفير البيئة الصحية لهذا الاختلاف لاحتوائه سريعا يصبح عرضة للتأزم والفشل والقضاء عليه تماما .
٤- الرغبة في تحقيق المستحيل .. محاولة اندماجهما وانصهارهما في كيان واحد .
لغلبة المشاعر والعواطف وتغييب العقل في الحب الشرقي .. تلح عليهما الرغبة في الانصهار في كيان واحد متناسين انهم كيانين مختلفين كما أوضحت في السابق .. و حتى في أشد تعبيرهما عن ذروة حبهما عند الالتحام الجنسي لبعضهما .
هما اثنين وليس واحد كما يظنان . ( اسمع اغنية اتنين لعلي الحجار في أبو العلا البشري) سيادة تناقض الرغبة مع القدرة في مجتمعنا .. لا يخرج الحب عن التمني .. تصور ليس له واقع وتطابق للأصل .. هو محاولة اندماج اثنين في واحد .. إلا أنها في الأصل تكامل وتعاون واحتياج وليست اندماج وانصهار .
و من التصادم والعناد تأتي توابع زلزال محاولة الاندماج بتوابعها المدمرة .. الغيرة والشك و الرغبة في الامتلاك التام للآخر .. فيتصدع كيان الحب ويبدأ في التشقق حتى الانهيار .. وإذا اشتد بتوهج هذه التوابع .. جعلتها نارا شرسة تنهي على كل ماهو طيب بينهما .
٣- الثالثة ..
ميراث التراث الاجتماعي والثقافي والتربوي المتخلف .. يؤثر بشكل رجعي على تكوين شخصيتهما من الناحية النفسية لكل منهما .
وبالتالي على ردود أفعالهما تجاه تصرفات الآخر ..
وهذا التراث الخاص لكل من الرجل والمرأة له التأثير السلبي لفشل علاقة الحب بينهما دون أن يشعران به .. واستطاع أن يخلق منهما كائنين غير أصحاء للاستمرار بشكل سوي .. هذا التراث المتخلف خاص بنا كشرقيين شديد التعقيد .. وسنتناول حالة كل واحد منهما على حدى كما سنرى :-
١ – الرجل المصري (الشرقي) :-
أ- مهما ان كانت ثقافته وتعليمه ودرجاته العلمية الحاصل عليها .. إلا أنه يحمل كثير من هذه الرواسب المتخلفة من التراث المتخلف .. لأنها متأصلة في تكوينه .. توارثها عبر سنين حياته دون أن يشعر بها ..
ب – بما أننا نعيش في مجتمع أبوي ذكوري بالدرجة الأولى .. يحمل كثير من الامتيازات والتسهيلات الخاصة للرجل متفوقا بها عن المرأة .. تظهر جليا في التعاملات فيما بينهما .. مثل ..
رفضه التام التعامل بمبدأ المثل .. المسموح له هو فقط كرجل غير مسموح للمرأة .. مستغلا الصلاحيات التي أعطاها له مجتمعه الذكوري .. ووضع موانع للمرأة فصلت لها خصيصا .. ( سامح و هند في الحب و أشياء أخرى .. احمد و ناهد في الشهد والدموع .. بشر وعايدة في زيزينيا .. هشام وأمل في الراية البيضا )
ج – فلايتقبل استيعاب علاقات حبيبته الماضية بسهولة .. وبخاصة لو كان الحبيب السابق لها مازال موجودا في دائرة معارفهم .. من رغم وعيه التام بأنه ليس له الحق في محاسبتها او نقاشها قبل مامضى من حضوره في حياتها .. إلا قوة هواجسه النفسية تسيطر عليه .. واتمام عقدته ينظر للمرأة على أنها كائن ضعيف نفسيا يمكن التأثير عليه بسهولة .. ورجوعها عن حبها له .. والاستسلام لضعفها .. ولأن الرجل الشرقي يعاني من ضعف ثقته النفسية في نفسه لسيطرة فكرة تفوقه أمام حبيبته تخلق لديه اتجاة معاكس في التشكيك في قدرته في أن يكون مقنعا في عين حبيبته .. ولا ينظر لنفسه أنه مكسب من خسره خسر .. وقد تتحول لعناد ورفض الانسحاب بسهولة .. بل لابد أن ينتقم .. من رغم ان كل ذلك لا يخرج من إنه كله سراب في داخله هو فقط ..
د – وعلى النقيض تماما للطرف الآخر من الرجل .. نجد أحيانا كثيرة يعتبر ذلك مصدر الفخر له .. لكثرة تجاربه وعلاقاته مع الجنس الآخر بكل أشكالها .. والأدهى من ذلك أن نفس العدوى المرضية قد تنتقل للمرأة نفسها .. بعضهن يعشقن الرجل الذي له تجارب متعددة سابقا لها .. !؟
كأنها تساعده على تأصيل تخلفه بداخله .. بل تساعده على الاستمرار في ذلك بدل من الاستشفاء منه .. ( بشر وعايدة في زيزينيا / مجدي ونجوى في أبو العلا البشري)
ومن هذا الموقف المزدوج .. الذي يجمع ما بين الرفض لها والقبول له .. المترسب بداخله كفيل بأن يزيد من انانيته .. ويثير لديه الشكوك دائما حولها .. ولا يستطيع التخلص من هذه الرواسب النفسية المعقدة بسهولة .. لأنها حالة مرضية مكتسبة من البيئة الاجتماعية عبر سنين طويلة .. حتى يبقى في حالة معقدة كارها لها قبلها وكأنها لعنة حلت عليه وألصقت به طوال العمر .. ومن رغم محاولاته للتخلص منها لأنها تنغص عليه متعته وسعادته في حبه لها .. إلا أنه غالبا يفشل من التخلص منها .
فيصبح اختيار إنهاء العلاقة الأقرب له بدلا من الحيرة التي تعذبه..
ميراث متخلف ألصق به غصبا .
٢- المرأة المصرية (الشرقية) :-
أ – من توابع المجتمع الابوي الذكوري ..
الذي ذكره مرارا كاتبنا الكبير أسامة أنور عكاشة.. واهتم بدراسته ..
برسم صورة للمرأة مقيدة داخل إطار من الحديد على مدار التاريخ كله .. محملة بتلال من المحرمات والمحظورات والممنوعات و العيب والمرفوض والمفروض .. خلق مناخا بوضعها تحت المجهر المجتمعي الذكوري .. والجمع ما بين النقيضين الشائعين في النظر لها و المعاملة معها .. بين الاستغلال والتعفف .. الاستغلال في ابشع صور الرق والدعارة والتجارة بجسدها تحت أي مسمى .. والتعفف بالتحريم والمنع والحظر .. مما جعلها في حالة كبح وكبت دائم لكل أفكارها وأحلامها و عواطفها وغرائزها .. مما زاد من تحصنها بالكتمان .. وأخذت العهد على نفسها بعدم البوح و التصريح نهائيا .. متخذة من الحذر الدائم أسلوب حياة تجاه أي رجل .. إلا بحساب والتفكير بدقة في كل كلمة ونظرة وخطوة لنفسها لكي لاتفسر خطأ .. وخلق بداخلها احساسا دائم أيضا بأنها ناقصة تحت اي مسمى .. يكفي أنها ناقصة بالتعبير عن نفسها بنفس حرية الرجل .. كفيل جدا أن يخلق منها كائن تسكن فيه كثير من التشوهات والتخوفات والشكوك من نفسها و من كل من حولها .. فيزيد من تقلباتها وحيرتها وترددها عند قدومها على أي علاقة حب .. يجعلها لاتبوح نهائيا بداخلها لأي شخص .. وبما انها لا تثق في نفسها فهي لا تثق بسهولة في أي رجل .. خوفا من التفسير المتسرع الخطأ لها من المجتمع وبخاصة من معشر الرجال .. بالتأكيد ستنال نصيبها من اللوم والعتاب والتوبيخ الذي خلق لها خصيصا في هذا المجتمع .
( مثل مجدي ونجوى في أبو العلا البشري / وهشام وأمل في الراية البيضا / وبشر وعايدة في زيزينيا )
ب - أحيانا المرأة تتسلط عليها فكرة تحررها وتحقيق ذاتها .. او من عقدتها بكثرة شكوك الرجل حولها .. لدرجة أنها من الممكن أن تكيد من حبيبها بإنهاء العلاقة بينها وبينه فجأة .. لتأكيد تحررها .. و برد فعل عكسي .. تعلن بالاستغناء عنه كرد اعتبار لكرامتها .. و اندفاعها للارتباط برجل آخر قد يكون الأسوء بكثير ( بشر وعايدة في زيزينيا / زهرة وعلي في ليالي الحلمية. / سامح وهند في الحب وأشياء أخرى ) .. واستجابتها لعقدتها .. أن تأذي نفسها بعقابها وحرمانها من حبها بيدها .. الذي قد لايتكرر بنفس الحب والإخلاص .. وقد يكون الرجل البديل سبب شقائها وتعاستها فيما بعد .. تبعا لمنطق .. العند يولد الغلط .
(٤) من كل ماسبق ..
في هذه الدراسة نستخلص الآتي :-
أ – شخصية الحبيبين عند أسامة أنور عكاشة .. يحملان كثير من التشوهات و التعقيدات والتناقضات يضعها المجتمع أمامهما .. و علاقة حبهما تتعثر بسبب نشأتها في مجتمع متخلف ميراثه كبير في التخلف المعقد والممتد ..
– خلق منه رجل في حالة مرضية معقدة شكاك هجومي وضعيف الثقة في نفسه .. وفي حالة شك من حب حبيبته له ..
– وامرأة مشوهة متخوفة متقلبة مترددة حذرة دائما .. مغلقة على نفسها .. فاقدة الثقة في نفسها أيضا ولكل من حولها .. حتى ان اصبح كسب ثقتها صعبة المنال من أي رجل .
ب – خلق عكاشة من أي قصة حب في مجتمعنا دراما مأساوية .. أحداثها الدرامية لم و لن تنتهي .. فهي في حالة تكرار وتوالد .. دراما مأساوية تتفوق على كل ما أنتجه سوفوكليس وشكسبير وفرويد لتفسير معاناة النفس البشرية .. لأن أصل المشكلة في نواقص المجتمع المصري المحيط بهما المحمل بتراث ضخم من التخلف .. فقدم لنا عكاشة دراسة فريدة للشخصية المصرية بكل عقدها النفسية المعاقة لإتمام علاقة حب صحية سليمة في مجتمعنا المصري .
ج – يجب الأخذ في الاعتبار أن هذا التنظير عقلي بحت وموضوعي من اسامة انور عكاشة من خلال رؤيته و ما سرده في مسلسلاته .. التنظير العقلي الابداعي يختلف تماما عن التجربة الانسانية الشخصية نفسها .. حتى ولو مع اسامة انور عكاشة نفسة ستصطدم نفسه مع تجربته كما هو نظره .. وهو نفسه مر بجزء من هذه التجارب دون الدخول في تفاصيلها .. هنا تكمن قدرة الكاتب على كيفية تأليفه وتنظيره .. و كيف يصبح كشافا للتجارب الإنسانية بشكل محايد وموضوعي .. و كيف يأخذ منها ومن رؤيته طالما في حالة التنظير والتأليف والإبداع والنقد .. والقدرة على الرؤية العلوية للحياة .. مستثنى نفسه منها .. معنى ذلك أن أي انسان مصري خاضع لنفس الضغوط والمشاكل التي ولدت منها هذه العلاقات المتأزمة .
د – وتأكيدا لكلامي نلاحظ ملامح ومواصفات شخصية الحبيبين الذي رسمها أسامة أنور عكاشة على مدار انتاجه الفني .. هم على قدر كبير من التعليم و الثقافة والتحضر .. بهدف الوصول إلى أصل العلة .. و إيقاعهما فريسة للميراث المشوه للمجتمع المتخلف .. وجعلهما لايستطيعان التخلص من حباله أبدا .. إلا إذا ..؟
(3) ثالثا :-
اسمحولي لابد من وقفة هنا وكلمة بخصوص
مسلسل الحب وأشياء أخرى ..
اهم هدف من كتابة هذا المسلسل من قبل كاتبنا الكبير أسامة أنور عكاشة ..
طرح تحديات الحب ونقاشها .. التحديات التي يخلقها المجتمع المتخلف …
وهل الحب قادر على ذوبان الفروق المجتمعية بين الحبيبين .. وانا وضحت ذلك في دراستي الجزء الاول ..
وبما أننا عايشين في مجتمع متخلف غير قادر على القفز من على فروق الكم و يتخطاها مثل العمرية والطبقية والمادية والخاصة باختلاف فكر التقاليد .. وهذا يعتبر من أهم المظاهر الجوهرية لملامح المجتمع المتخلف والتي يجب أن يقوم بإزالتها من فكرنا .. واستبداله بالفكر العلمي المستنير .. لذلك لجأنا لما يسمى بوجوب التكافؤ بين الطرفين كما حدث خلال قصص الحب الثلاث الموجودة داخل المسلسل مثل .. الحسيني وإكرام فرق التعليم .. رأفت ودلال فرق التقاليد والعادات .. وسامح وهند الفروق الطبقية المادية .. وهذه هي الاشياء الاخرى ..
نعود لسامح وهند القصة الرئيسية .. فشلت علاقة الحب لأن الطبقة البرجوازية العليا التي تنتمي لها هند .. رفضت اندماج ابنتهما بالذوبان في الطبقة الأدني منهم طبقة زوجها .. إلا ان سامح كان يحمل تفوقا آخر لم يراها ويشعر به .. طالما هو منغمسا في عقدته الشرقية بانه لابد ان يتفوق على زوجته ماديا .. ولذلك اضطر بالقيام بأعمال متدنية لكي يستطيع أن يساير هذا التفوق المادي الطبقي .. ولايعلم بانه بذلك يفرط في تفوقه الحقيقي بالفن وانه فنان .. الفن الذي يعتبر من الأولويات العلوية لبناء المجتمع المتحضر وليست سفلية مثل المال .. ولنتذكر النهاية
التي صنعتها باقتدار المخرجة إنعام محمد علي بالتعبير بصورته (سامح) في لقطة علوية وهو ينظر بثقة وشموخ .. وهي تنظر له (هند) من لقطة اقل سفلية .. وهذا الذي لابد أن يفهمه المجتمع .. ان مالك العلم والفكر والفن يتفوق بكثير عن مالك المال .. ولابد أن يكون له القيادة والمقام الافضل .. أما في حالة انتكاس المجتمع كما في حالتنا يحدث العكس بتفوق المال وعقد التقاليد المتخلفة داخل المجتمع .. مثل ما حدث طوال أحداث المسلسل .
(4) رابعا :-
هناك آراء عرضها كاتبنا الكبير في ختام الطريق مع كل رحلة قصة حب .. كحلول .. للخروج من أزمتهم .. باختلاف ظروف كل منها عن الأخرى .. فسامح وهند غير علي وزهرة .. واحمد وناهد غير مجدي ونجوى .. وهكذا ..
ومثل هذه الآراء :-
١ – إذا استطعنا التخلص من التشوهات والعقد المترسبة بداخلنا بالتدريب والتدرج مع تطوير المجتمع .. حتى ولو بالمجهود الذاتي مثل ماحدث مع (احمد وناهد .. في الشهد والدموع) .
٢ – الاقتناع التام بمساواة الرجل والمرأة .. بالفعل .. وأن لهما خصوصيتهما والاستقلال الذاتي الذي يجب أن يقدر ويحترم .
والتعامل بالمثل فيما بينهما والإيمان بالتساوي والعدالة .. التي تقر بعدم تفوق طرف عن الآخر .. معاملة محتاجة من الرجل أن يكون أكثر تواضعا ورأفة .. وامرأة أكثر ثقة في نفسها ووضوح .
والمساواة بالنسبة للمرأة ليس معناه أن تقترب وتتشبهة من صفات الرجل التي جاء بها إلى الدنيا .. بالعكس يجب أن تتمسك بملامحها وتعتز وتفتخر بها .. وتعلم أنها النقيض المكمل له .. والرجل النقيض المكمل لها .. دون أي أفضلية احد على الآخر .
علاقة تكامل .. مثل مارأينا في جميع نهايات دراما الحب في أعماله .
٣- نستنير ونقفز من فوق كل الفروق الرقمية .. لأن الحب لايعرف لغة الارقام .. مثل الفروق العمرية والمادية والعلمية والطبقة الاجتماعية .. وهذا لم يتم إلا بثورة اجتماعية شاملة كل المجتمع .. لإزالة هذه الفوارق التي كبلتنا بها عادات وتقاليد متحجرة على مدار مئات السنين .
( مثل ماحدث مع سامح وهند .. الحسيني و إكرام .. ورأفت ودلال .. في الحب وأشياء أخرى)
٥ – إعطاء مساحة أكبر للعقل والمنطق كلجام كابح لشرود عواطف الحب في علاقات الحب .. للسيطرة على أي تهور يقضي عليها .. تبدأ بالتخطي من فوق أخطاء الطرفين في حق بعض .. وإعطاء مساحة أكبر للحنان والرحمة والتسامح بينهما .. ولنعلم ان العناد يقسو القلوب . ( مثل زهرة وعلي .. في ليالي الحلمية / واحمد وناهد .. في الشهد والدموع )
٤- نعطي مساحة لتجربة الصداقة بين الرجل والمراة .. فرصة من أن تأخذ حقها في الاعتبار والمحاولة .. وبجدية .. ففيها مدخل افضل وأهدئ دون عصبية وتوتر .. لبدء علاقة حب متزنة .. تسمح بالقدرة على النقاش والمسامرة وعرض كل وجهات النظر المطروحة امامهما بهدوء .. دون مقاومة وصد لكل الخلافات .. لأن علاقة الصداقة تسمح دائما بحضور العقل والود لكل المعاملات .. حاضر ليسيطر ويحافظ على الحبيبين .. قريبين متفاهمين متسامحين
.. متحابين .. دون خوف .. الحب لايعرف الخوف أيضا ( مثل هشام وأمل .. في الراية البيضا )
٥ – المجتمع في حاجة إلى إعادة تأهيل .. بالتنسيق التام اولا مع الصادقين في هذا الوطن .. مع جميع قوى ومؤسسات الدولة التربوية والتعليمية والثقافية والإعلامية .. بالتكاتف النهضوي الفكري والتربوي للمجتمع بالكامل .. بتنفيذ خطة قريبة المدى وبعيدة المدى .. فنحن في حاجة لمراجعة شاملة لأصول تربيتنا .. ليشمل جميع فئات ومؤسسات الدولة بالتحرك بشكل إيجابي لتحقيقه على أرض الواقع .. وليس كلاما على الورق .. او كلمات رنانة جوفاء تملأ به القاعات الوهمية .. دون استخدام فنون اللقطات .. كفانا كذب .. ( مثل مارأينا مع أحلام ابو العلا البشري )
(٥) كلمة أخيرة :-
قرائي الأعزاء :-
دراما أسامة أنور عكاشة العظيمة .. تعرضت وكشفت وناقشت الحياة المصرية من كل جوانبها .. التاريخية والسياسية والاجتماعية والفكرية والنفسية .. حياة كاملة .. وكان هو بمثابة الجراح الماهر الذي يقوم بالتشريح والفحص والوصول لأصل العلة .. و قد بدأت دراستي بطرح سؤال يشمل جانب واحد فقط في هذه الحياة العكاشية الممتدة ..
( لماذا قصص الحب في دراما الكاتب والمفكر الكبير أسامة أنور عكاشة قابلت كثير من الصعاب والألم ..)
– إلا هناك نقطة هامة جدا يجب الوقوف عندها للتوضيح ..
علاقات أسامة أنور عكاشة ليست علاقات سامة وليس أطرافها مختلفين لدرجة أنهما لا يوجد شيء مشترك بينهما مثل علاقات
(التوكسيك) وتنتهي بالفشل التام ..
بلا .. بل كان هناك الكثير من الأمور المشتركة واللحظات والأوقات الجميلة السعيدة الممتعة بينهما ..
ولذلك كانت الاختلافات والصراعات في دراما كاتبنا الكبير .. علينا أن نعتبرها مواجهة شاملة لكل العوائق المسببة لعرقلة الحب بين أطرافه … مكاشفة وحساب وتطهير للذات لصفاء النفس والاستعداد لاقامة علاقة صحيحة قائمة على المصارحة .. ولذلك أغلب علاقاته انتهت بالارتباط بعد مخاض طويل من الصدام للتصحيح .. وليس للقضاء عليها ..
نعم صدقت كاتبنا الكبير أسامة أنور عكاشة الحمل ثقيل .. ولا بديل لنا إلا بالمواجهة والمكاشفة .. وأن نبدأ بالتغيير في أنفسنا .. والاصرار عليه مهما ان طال المشوار والطريق والعمر بنا ..
– أعزائي الكرام انتهت رحلتي الممتعة في رحاب فكر وابداع الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة .. التي استمرت أسبوعين بحث واطلاع ومشاهدة .. من خلال دراستي العرضية .. فأنا أشرت إلى القصص الحب الرئيسية في المسلسلات التي ذكرتها .. باستثناء مسلسل .. الحب وأشياء أخرى .. بشكل طولي وموضح .. فكان موضوعه الأساسي .. معاناة الحب في مجتمعنا المصري .
وخرجت من هذه الرحلة الرائعة بخمس حقائق للحب الصحيح ..
الحب الصحيح عادل
الحب الصحيح يعشق التصريح
الحب الصحيح لا يدرك لغة الأرقام
الحب الصحيح لا يعرف الخوف
الحب الصحيح يؤمن بالحاضر والمستقبل فقط
وحاولت أن أسلط الضوء البسيط على وجهة نظر كاتبنا الكبير اسامة انور عكاشة في اسمى علاقة إنسانية على وجهة الارض وعلى مدار التاريخ .. وهي .. الحب .. بين الرجل والمرأة في مجتمعنا المصري .
لأن الحب هو الوحيد الذي يستطيع ان يهب لنا المعنى الحقيقي للسعادة في هذه الحياة .
اتمنى أن تكون هذه محاولة بسيطة مني لبداية حوار نقاشي بضرورة التغيير للأفضل .. لأنفسنا ولكل من حولنا ..
نعم ستأخذ وقتا طويل .. ولكن علينا أن نبدأ ولا نيأس ابدا .
و لطالما النيل مازال يجري في أرضنا ..
الأمل واجب .. والتشاؤم خيانة .
وعلينا أن نتذكر دائما أن الأصحاء هم الذين يملكون القدرة على الحب الصحيح .. وهم أنفسهم القادرون على بناء الحضارات المتقدمة .. ونحن لها في المستقبل القريب .
تحياتي وتقديري لكم جميعا …
انتهى …
أيمن أبوزيد 2/6/2025
ناقد مستقل