من المسؤول عن نقص الأدوية في السوق المصري؟
بقلم: أنور عبد الحميد
في الوقت الذي تتصاعد فيه معاناة المواطنين، خصوصًا مرضى الأمراض المزمنة ومرضى القلب والسكر، تبرز أزمة نقص الأدوية كواحدة من أخطر الأزمات التي تهدد المنظومة الصحية في مصر. فرغم وجود هيئة دواء مصرية تُفترض فيها الرقابة على خطوط إنتاج وتوزيع الدواء، إلا أن الواقع يعكس صورة مغايرة تشير إلى حالة من التراخي أو العجز، بل وربما التجاهل المقصود في بعض الأحيان.
◾ هيئة الدواء… سلطة غائبة أم مُراقَبة؟
من المفترض أن تكون هيئة الدواء المصرية هي الجهة الأعلى رقابة وتنظيمًا لسوق الأدوية، بما يشمل 191 شركة دوائية تعمل داخل مصر، وتنتج ما يقرب من 17 ألف مستحضر دوائي، بحسب بيانات اتحاد الصناعات المصرية وشعبة الأدوية بالغرفة التجارية. ولكن، هل تمارس الهيئة الدور المطلوب منها؟ أم أن شركات الأدوية باتت تفرض شروطها، وتوجه السوق بما يتماشى مع مصالحها؟
ما نراه على الأرض يُشير إلى أن بعض شركات الأدوية هي من تتحكم في السوق، وتفرض رؤيتها على الهيئة، مستخدمة شماعات مثل “نقص المادة الفعالة” و”الحروب العالمية” و”ارتفاع الدولار”، لتبرير غياب أصناف حيوية من الأسواق.
◾ أزمة نقص الدواء… أم أزمة ضمير؟
خلال الأشهر الماضية، لاحظ المواطن المصري غياب العديد من الأدوية الضرورية عن رفوف الصيدليات، خاصة:
-
Ziloric 300 لعلاج النقرس
-
Spironolactone 25 mg المستخدم في حالات جلطات القلب
-
Coloverin D لعلاج القولون العصبي
-
Mixtard insulin لمرضى السكر
-
Famotidine لارتجاع المريء
هذه الأصناف وغيرها لم تعد متوفرة بسهولة، مما دفع المرضى للبحث عن البدائل، والتي كثيرًا ما تكون أقل فعالية أو غير معتمدة من أطبائهم.
ورغم ادعاءات الشركات بأن السبب هو صعوبة استيراد المواد الخام وارتفاع تكاليف الإنتاج، إلا أن بعض المراقبين يرون أن الواقع مختلف تمامًا: إذ يتم سحب هذه الأدوية من السوق المحلي عمدًا، وتوجيهها إلى التصدير الخارجي حيث تُباع بأسعار أعلى وبالعملة الصعبة، خاصة في ظل انخفاض قيمة الجنيه المصري.
◾ جولات ميدانية تكشف الواقع المُر
قمنا بجولة على عدد من الصيدليات في القاهرة، فكانت الشكوى واحدة: “الأدوية مش موجودة، والطلب ما بيتنفذش”. في إحدى الصيدليات، أكد الصيدلي أن هناك قائمة طويلة من الأدوية مفقودة منذ أشهر، وأن محاولات طلبها من شركات التوزيع باءت بالفشل. وأشار إلى أن الشركات تتحجج دائمًا بنفاد المادة الفعالة، على الرغم من أن الأسعار قد تم بالفعل رفعها مؤخرًا، مما يُضعف حجة التكلفة.
وفي زيارة لإحدى الصيدليات الكبرى، أكدت موظفة أن الكثير من المرضى يعودون إليهم حاملين روشتات طبية، لكنهم يغادرون بلا دواء، لأن الصنف المطلوب غير متوفر، والطبيب لا يثق في البدائل.
◾ التأمين الصحي وأصحاب الدخل المحدود… الضحايا الأبرز
أخطر ما في هذه الأزمة أنها لا تؤثر فقط على من يستطيع شراء الدواء من ماله الخاص، بل تطال أيضًا المؤسسات العامة مثل هيئة التأمين الصحي، التي تواجه صعوبة متزايدة في توفير أدوية الأمراض المزمنة لمستحقيها.
وهذا يترك أصحاب الدخل المحدود، وهم الشريحة الأكبر من الشعب المصري، في مواجهة مفتوحة مع المرض دون دعم أو دواء، مما يُفاقم الحالة الصحية لهم ويهدد حياتهم.
◾ هل الحل في الاستيراد؟ أم في الضبط والرقابة؟
اللجوء إلى استيراد الأدوية المفقودة من الخارج ليس حلاً عمليًا في الظروف الاقتصادية الراهنة، بل هو تفريغ لمهام المصانع المحلية وفتح باب جديد للاستغلال وزيادة أسعار العلاج.
الحل الحقيقي يجب أن يكون من داخل السوق المصري، عبر:
-
إلزام الشركات بتوفير الأصناف الحيوية، بغض النظر عن هامش الربح أو التصدير.
-
تشديد الرقابة على خطوط الإنتاج والتوزيع.
-
نشر تقارير شفافة من هيئة الدواء المصرية عن الكميات المنتجة والموزعة.
-
إعادة النظر في سياسات التسعير، بما يضمن استمرارية الإنتاج دون استغلال.
◾ كلمة أخيرة…
إن نقص الأدوية في السوق المصري ليس نتيجة قدرية، بل هو نتاج واضح لتشابك المصالح وغياب المحاسبة. وإذا لم تتدخل الدولة بكل أذرعها، خصوصًا في ظل الوضع الاقتصادي الراهن، فإن الأزمة قد تتحول إلى كارثة صحية تهدد الأمن القومي المصري.
المريض المصري لا يتحمل المزيد من الأعباء… فلتتحرك الجهات المسؤولة قبل فوات الأوان.