أطفال الشقاق.. الضحايا الصامتون للخلافات الأسرية وتأثيرها العميق على الصحة النفسية والسلوك
الدكتوره السيده عباده تكتب:
أطفال الشقاق.. حين يُقسم الحب على اثنين وتضيع الطفولة في المنتصف
✍️ بقلم: الدكتوره السيده عباده
في المجتمعات التي تتبدّل فيها مفاهيم الأسرة، وتعلو فيها أصوات الخلافات فوق صوت المودة، يبرز سؤال حاد ومؤلم:
من يحمي الطفل عندما ينهار البيت؟
يعيش أطفال الشقاق — أولئك الذين يكبرون بين والدين يربطهما صراع لا حب — تحت عبء نفسي لا يظهر دائمًا في الكلمات، لكنه يصرخ في العيون، والقلوب الصغيرة، والسلوكيات اليومية.
🏚️ ما هو “الشقاق” الأسري؟
الشقاق هو حالة من الصراع المستمر بين الزوجين، سواء انتهى هذا الصراع بالانفصال الفعلي أو استمر دون طلاق رسمي، لكنه مليء بالتجاذبات، الشكوك، الاتهامات، والبرود العاطفي. يعيش الأطفال في هذه البيئة المليئة بالتوتر دون استقرار، وقد يفتقدون لعنصر الأمان الذي يحتاجونه بشدة في مراحل الطفولة.
😔 الصحة النفسية لأطفال الشقاق.. الخطر الخفي
الصحة النفسية للطفل لا تتشكل فقط من خلال الطعام والتعليم، بل من خلال البيئة العاطفية التي ينشأ فيها. وعندما تكون هذه البيئة مليئة بالمشاحنات أو الكراهية، يبدأ الطفل بفقدان الإحساس بالثقة، بالانتماء، وبالأمان.
من أبرز المشاكل النفسية التي تُصيب أطفال الشقاق:
-
القلق المزمن: خوف دائم من المستقبل ومن الانفصال النهائي بين الوالدين.
-
الاكتئاب: شعور بالحزن، وانعدام القيمة، أو حتى الرغبة في الانعزال عن المحيط.
-
الشعور بالذنب: يظن الطفل أحيانًا أن خلافات والديه بسبب تصرفاته.
-
فقدان الثقة بالنفس: نتيجة الانتقادات المستمرة أو الإهمال العاطفي.
🧠 تأثير الشقاق على السلوك.. مرآة الألم
أطفال الشقاق غالبًا ما يُظهرون سلوكيات دفاعية أو عدوانية، تختلف حسب المرحلة العمرية:
في الطفولة المبكرة (3-6 سنوات):
-
بكاء متكرر دون سبب واضح
-
التبول اللاإرادي
-
نوبات غضب
-
التعلّق المفرط بأحد الوالدين
في سن المدرسة (6-12 سنة):
-
ضعف التركيز في الدراسة
-
مشاكل في التفاعل مع الزملاء
-
سلوكيات عنيدة أو متمردة
-
تأثر الأداء الدراسي والنفور من المدرسة
في سن المراهقة:
-
انسحاب اجتماعي أو انخراط مفرط في مجموعات سلبية
-
تجريب السلوكيات الخطرة (تدخين، هروب من المنزل)
-
اضطرابات الهوية، وصراعات داخلية حادة
-
فقدان الثقة بالمؤسسات الاجتماعية (كالأسرة، والمدرسة)
💔 التجاذب بين الأبوين.. حرب نفسية تُدمر الطفل
في بعض حالات الشقاق، يستخدم أحد الأبوين الطفل كسلاح ضد الآخر. مثل:
-
الحديث السلبي عن الطرف الآخر أمام الطفل
-
منع الطفل من رؤية والده أو والدته
-
تحميل الطفل رسائل سلبية من أحد الأبوين للآخر
-
محاولة كسب “ولاء” الطفل في الصراع
هذا النوع من السلوك يسمى بـ “الإغتراب الوالدي (Parental Alienation)”، وهو يُعد من أشد أشكال الإساءة النفسية للأطفال، ويؤدي إلى اضطراب العلاقات العاطفية عند الطفل على المدى الطويل.
🩺 ما الذي يمكن فعله لحماية الطفل؟
-
الحفاظ على استقرار الطفل العاطفي: حتى في حال الانفصال، من الضروري طمأنة الطفل أن حب والديه له لم يتغير.
-
تجنب النزاعات أمام الطفل: الخلافات يجب أن تُحل بعيدًا عن مسامع وعيون الأطفال.
-
الاستعانة بأخصائي نفسي عند الحاجة: خاصةً إذا ظهرت مؤشرات اضطراب سلوكي أو اكتئاب.
-
دعم العلاقة مع كلا الأبوين: الطفل يحتاج للأب كما يحتاج للأم، والحرمان من أحدهما يضر بصحته النفسية.
-
توفير بيئة آمنة وعاطفية: يُمكن أن يعوض وجود الجدّ أو الجدة، أو شخص بالغ محب ومسؤول بعض غياب الطرف الآخر.
✍️ في الختام…
أطفال الشقاق لا يملكون القرار، ولا يشاركون في اختيار مصيرهم، لكنهم يدفعون الثمن الأثقل. إن تجاهل آثار الشقاق على نفسية الطفل وسلوكه لا يُلغيها، بل يؤجل انفجارها لاحقًا في شكل أزمات مراهقة، أو اضطرابات نفسية، أو علاقات عاطفية فاشلة في الكبر.
إذا كنا نحرص على مستقبل أطفالنا، فالأجدر بنا أن نمنحهم بيئة آمنة ومستقرة، حتى وإن انتهت العلاقة بين الزوجين، فالأسرة قد تتغير، لكن واجبنا تجاه أبنائنا لا يتغير أبدًا.